الدعوة إلى الله على بصيرة
وهنا أيضاً وقفة قصيرة، عند قوله تعالى: ((عَلَى بَصِيرَةٍ))[يوسف:108] فالبصيرة من مقتضياتها العلم، والدعوة إن لم تكن على علم فليست على بصيرة قطعاً، والذي لا علم لديه فليس لديه بصيرة.
ومع العلم أيضاً فقه الدعوة، ولا بد منه، فنعرف كيفية دعوة الناس، ومخاطبتهم وكيفية التعامل معهم، وهذا أيضاً من ضمن البصيرة.
والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصحابة الكرام، ضربوا لنا أروع الأمثال في منهج وأسلوب الدعوة إلى الله على بصيرة، ويشهد لحسن دعوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبصيرته أن آمنت به تلك الأمم، فآمن به كفار قريش بعد الجدال والمعاندة.
فيأتيه الرجل الذي لا يعرف شيئاً من دين الله، ولا يفقه شيئاً من أمر الله، فيترفق به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويبين له، كما فعل مع الأعرابي الذي بال في المسجد، وكما فعل مع معاوية بن الحكم السلمي لما تكلم في الصلاة، وغيرها وقائع كثيرة.
فكل من رأى هذا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو رأى الصحابة من بعده يحبهم، ويؤمن بما يدعون إليه، ويستجيب لهم إلا من كتب الله عليه الضلالة، فهم دعوا إلى الله على نور وبرهان وبالأسلوب الحسن الحكيم.
ثم قال: (( أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ))[يوسف:108] وفي هذا تنبيه وتوجيه لنا نحن أتباع محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه يجب أن نكون كذلك أيضاً، وأن تكون طريقنا وسبيلنا وهمنا الدعوة إلى الله، وهذا لا يعني أن نعطل أعمالنا، بل يدعو كل إنسان منا في واقع عمله.
فالتاجر يدعو إلى الله في تجارته، والفلاح في فلاحته، والطالب في طلبه للعلم، والموظف في وظيفته، وكل إنسان يكون داعية إلى الله، ويكون سالكاً لمنهج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.